رسم توضيحي (المصدر: الإنترنت).

نرحل معا اليوم، لوسط شبه الجزيرة العربية، في جمادى الأولى في السنة الثامنة للهجرة، حيث صحراء العرب القاحلة، من يضل طريقه فيها، سيلاقي الموت دون أن يعلم به أحد سوى خالقه.

هنالك شبح قافلة من بعيد، لنقترب منها أكثر، فربما يسمحون لنا بالانضمام إليهم.

إنها ليست قافلة!! يبدوا أنهم جيش!! ويبدوا أيضا أنهم من العرب، من هيئتهم ومن عدّتهم البسيطة!! لنسألهم عن وجهتهم.

– من أنتم؟ وأين وجهتكم؟!

-نحن جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم. متوجهون لجهاد الروم.

-وأين ستلاقونهم؟

-عند مؤتة.

-وكم عددكم؟

-ثلاثة آلاف مجاهد أو نزيد قليلا.

-وكم عدد جيش الروم؟

– لاعلم لنا بهم!

أكمل الجيش مسيره، بجنود أقدموا على الله بأرواحهم وأموالهم، يرجون النصر في الدنيا، ليكملوا مسيرة الجهاد في سبيل الله. أو الشهادة ونيل رضوان الله تعالى وجنته.

لكن هنالك منادٍ ينادي في كبار الصحابة ليجتمعوا!! ما الذي حدث يا ترى؟! لنجتمع معهم لنسمع ونرى.

قام أحدهم قائلا: لقد وصلت الأخبار بأن هرقل جاء بمئة ألف من الروم، وانضم إليهم من القبائل مئة ألف آخرين. فماذا نحن صانعون؟

مكث الجيش في مكانه ليلتين للتشاور. فهل يكملون المسير، أم يرسلون لرسول الله صلى الله عليه وسلم لإخباره بالأمر، منتظرين المدد أو أمر من عنده.

ما هذه الشجاعة!! ألم يفكر أحد بالانسحاب؟! ألم يقل أحدهم أنهم مئتا ألفونحن ثلاثة آلاف فقط فنصرنا عليهم مستحيل. ألم يحسبها أحد بحساب المنطق في زماننا ليرى أن على كل رجل منهم مقاتلة خمسة وستين رجلا لوحده!! لماذا لا ينسحبون إذن مادامت الكفتان غير متزنتان!!

لا عجب في ثبات هؤلاء الثلة من الرجال!! فلقد رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلمبيديه الكريمتين. فتشبعت قلوبهم بالإيمان بالله، وبالتوكل عليه، وباليقين بأنه لنيصيبهم إلا ما كتبه الله لهم. وهم يعلمون أن نصر الله لا يكون بالعدد وإنما يكون بالإيمان.

من ذلك الذي قام هناك؟! إنه عبد الله بن رواحة، قام ليشجع الناس. وها هم الناس بدءوا يجهزون أنفسهم لإكمال المسير.

بهذا الإيمان، وهذه الشجاعة، استطاع أجدادنا نشر دين الإسلام، ليمتد من المحيط الأطلسي إلى حدود الصين.

التقى الجيشان. واستشهد قائد الجيش، زيد بن حارثة رضي الله عنه، وبعده استشهد خَلَفُه، جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعده استشهد آخرهم عبد الله بن رواحة رضي اللهعنه.

فتفرق المسلمون، حتى لم يبقى اثنان بجانب بعضهما البعض. ثم أخذ الراية أحد شجعان المسلمين، وسلمها لخالد بن الوليد رضي الله عنه. فتمكن خالد بخطة حكيمة من الانسحاب من المعركة من غير خسائر تذكر.

وعندما وصلوا المدينة المنورة، وجدوا الصبيان في استقبالهم. نعم يحق لهذا الجيش الشجاع حسن الاستقبال على ما فعلوه. لكن كان استقبالهم من نوع آخر، آخذ الصبيان بحث التراب في وجوههم ومناداتهم: يا فرار فررتم في سبيل الله.

لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى.

انتهت رحلتنا لهذا اليوم، وقد رأينا شجاعة المسلمين، وقوة إيمانهم بالله. وكيف أنهمأكملوا مسيرهم مع أن عددهم لا يقارن بأي حال من الأحوال بعدد عدوهم، لكن سلاحهم كان إيمانهم بالله، فوفقهم الله فيما كانوا فيه. ورأينا أيضا، التربية الحسنة للأبناء، وكيف أنهم فضلوا استشهاد آبائهم على أن يفروا من المعركة. فبهذه التربية،ظهر في الأمة رجال دافعوا عن هذا الدين ونشروه. وبمثل هؤلاء الرجال، ستبقى العزة للمسلمين، ومن دونهم يبقى حالنا مثل ما هو عليه الآن من ذل وهوان، وتعذيب وتقتيل وتشريد للمسلمين في شتى بقاع الأرض.

أتمنى أن ألقاكم في رحلتنا القادمة إن شاء الله.

نشرت لأول مرة في الفترة بين العام 1999م والعام 2002م.