رحلتنا اليوم إلى المدينة المنورة في السنة الثانية للهجرة، حيث كان المسلمون واليهود يعيشون في ظل عهد وصلح بينهم. وكان لليهود يومئذ سوق كبير، يرتاده المسلمون والمسلمات لقضاء حوائجهم.
لندخل معا لهذا السوق!
دخلت معنا للسوق امرأة مسلمة، محتشمة، لا يظهر منها شيء، تلبس الفضفاض وتتغطى بالخمار.دخلت محل الصائغ، لتبيع بعض حليها. فراودها بعض من كان هناك بكشف وجهها، لكنها بحياء وإيمان المسلمة رفضت مراودتهم. فقام أحد خبثائهم بربط طرف ردائها بخمارها.
نهضت المرأة فانكشفت عورتها.. فصرخت صرخة هزت السوق، حتى شعرنا بأن زلزالا ضربنا.. صرخت: “وا إســــلامـــــاه”!!!
إنها تستنجد بنا معشر المسلمين، لقد اعتدي عليها، فما لنا واقفون!!!
لم يكد صدى ندائها ينتهي، حتى هب رجل مسلم من مكانه، وانطلق لمحل الصائغ، وأشهر سيفه،وفصل رأس اليهودي الخبيث الذي أساء للمسلمة عن جسده. فاجتمع عليه بنو قينقاع أصحاب اليهودي وقتلوه.
الله أكبر، يا لها من نصره!!
الله أكبر، ضحى بحياته لأجل امرأة مسلمة، لا يعرف عنها شيئا سوى أنها: أخته في الإسلام!!
الله أكبر، لم يتردد بتلبية النداء، وهو يعلم أن رأسه سيكون المقابل!!
بدأ المسلمون بالخروج من السوق. لنرافقهم لنرى أين سيذهبون!!
إنهم متوجهون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليخبروه بما حدث.
أمر نبينا الكريم صحابته الكرام بالتجهز لقتال ناقضي العهد، نصرة للمسلم الذي نصرأخته. وهذا هو شأن الأمة الإسلامية. إنها كالجسد الواحد، إن اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالتعب والحمى. قُتِل الصحابي الجليل، فهب الرسول عليه الصلاة والسلام مع صحابته رضوان الله عليهم لنصرته. وعندما تكون النصرة في الله، فلا بدأن ينصر الله من ينصره. استنجدت المسلمة، فنصرها الصحابي. واستشهد الصحابي، فنصره الرسول الكريم وجيشه المجاهد.
حاصر رسولنا الكريم بني القينقاع في حصونهم خمسة عشر يوما. حتى تمكن منهم. ثم في موقفيدل على النفاق، طلب رأس المنافقين بن أبي سلول من الرسول الكريم أن يخلي سبيلهم، ومسك الرسول بقوة وشده، فقال له الرسول: هم لك. فخلى هذا المنافق سبيلهم. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أبقى أموالهم.
انتهت رحلتنا لهذا اليوم. لنخرج منها بعبر كثيرة. وهذا شأن من يطلع على التاريخ، يجد فيه الكثير من الدروس والعبر. ومن الدروس المستفادة من هذه القصة:
- غدراليهود. فلم يمض على العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى سنتان، ومع هذا لم يتمكنوا من احتمال العهد أكثر. وهم يعلمون علم اليقين أن هذاالنبي الكريم هو آخر نبي مرسل، ومن حاربه لابد أن يهزم. لكن لم يمنعهم ذلك من نقض العهد. فما بالنا نعاهدهم اليوم!!!
- نصرة المسلمين لبعضهم البعض. فعندما صرخت المسلمة العفيفة “وا إسلاماه” نصرها المسلم مضحيا بنفسه لأجلها. وعندما استشهد، نصره الرسول الكريم محاربة قاتلوه. ولم يخشى اليهود الذين كانت لهم ثلث المدينة. فإن كانت النصرة في الحق، علينا إعداد العدة، والتوكل على الله، من غير خوف إلا منه سبحانه. لكنا نرى اليوم إخوتنا في الله يقتلون ويسجنون ويعذبون!! ويستنجدون بنا!! لكننا لا نحرك ساكنا!!!
أتمنى أن تكون رحلة اليوم ممتعة لكم، وأن تكون الاستفادة المرجوة قد تحققت منها. آملين أن نلقاكم في رحلاتنا القادمة بإذن الله.
نشرت لأول مرة في الفترة بين العام 1999م والعام 2002م