ابتسامة (المصدر: الإنترنت)

أخرج بسيارتي أحيانا فجرا، لتناول وجبة الإفطار في أحد المطاعم الشعبية. حيث أسعد بنسمات الفجر الباردة، المنعشة، التي قلما أجد مثلها في أي وقت آخر من اليوم. وسبحان الله، تشعرني هذه النسمات بنشاط عجيب يكفيني طوال اليوم. مما يذكرني بأحاديث كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها قوله: ‏اللهم بارك لأمتي في بكورها.

وفي هذا الوقت الباكر، الذي لم تشرق الشمس فيه بعد، أرى رجالا نشيطين، ينزلون من باصاتهم الصغيرة، يحملون جرائدهم ومجلاتهم على أكتافهم. ثم يفرشونها على الأرض، ويبحثون عن حجارة أو ما شابه ذلك لوضعها على الجرائد حتى لا تطير مع الرياح. هذه حالهم، صيفا أو شتاء. حرا أو بردا. تجدهم دائما في نفس الوقت وفي نفس المكان، وبأيديهم نفس البضاعة. يقفون من الفجر حتى الظهر أو العصر.

يا الله، كم هي لقمة العيش صعبة. خصوصا على إخوة لنا كتب لهم أن يولدوا في بلدان فقيرة، وعوائل لا تجد ما يكفيها ليس لشراء الكماليات، وإنما للحصول على الأساسيات من طعام ولباس وتعليم. والأسوء من ذلك، أنهم في كثير من الأحيان ما يكونون أقليات مستضعفة في بلدانهم. فيفرون منها سعيا وراء رزقهم. يغتربون عن أهاليهم، ويبتعدون عن أحبائهم، لكسب لقمة حلال يطعمون بها ذويهم.

لكن.. ليس هذا ما يثير إجابي. فكثيرون من يخرجون عند الفجر، وكثيرون من يسعون طوال النهار وراء الرزق الحلال. إن ما يثير إعجابي هي تلك الابتسامة الجميلة التي ترتسم على شفاههم. فبالرغم من أن الوقت مبكر جدا، وبالرغم من طول النهار أمامهم، وبالرغم من حرارة الجو أو برودته، تجدهم واقفين، مبتسمين، يسلمون بأديهم على كل غادٍ أو رائح. وما يسعدني أكثر، هو إحساسي بصدق ابتسامهم. فلا تحس أنها ابتسامة مجاملة كالتي نوزعها بمناسبة ومن غير مناسبة على من حولنا. ولا تحس أنها ابتسامة مصطنعة تخفي وراءها أمرا لا تود البوح به. وإنما تحس أنها ابتسامة رجل مؤمن بقضاء الله، راضيا بما كتبه له، ومتوكل عليه. إنها ابتسامة رجل قانع، جّل ما يتمناه هو لقمة طيبة تشبعه وتشبع أبناءه.

وعلى النقيض، أرى كل يوم في نفس الوقت، أناسا يركبون السيارات الفخمة. التي يكفي ثمنها لسد حاجات 1000 أسرة لمدة سنة كاملة في إحدى البلدان الإسلامية الفقيرة. تجده عابس الوجه، وكأن أحدا قد سرق ماله أو أكل طعامه. وجهه عابس، مع أنه يجلس على كرسي وثير في سيارته المكيفة، فهي دافئة في الشتاء باردة في الصيف. وجهه عابس، مع أنه ذاهب لمكتب ضخم بارد، وفيه من يقدم له الشاي والقهوة وقتما شاء. وجهه عابس، مع أن عمله لا يحتاج لنصف الجهد البدني الذي يبذله بائع الجرائد كل يوم. وجهه عابس، مع أنه لا يبتل بماء المطر، ولا تحرق الشمس وجهه أثناء تأدية عمله. فلماذا كل هذا العبوس؟!!

هذه المشاهد، جعلتني أتفكر في نفسي! فمن أي صنف أنا؟! هل تعلوا وجهي ملامح الرضى أم السخط؟!

للأسف، لم أتمكن من معرفة ذلك، فعندما نظرت في المرآة وجدت ابتسامة ترتسم على شفتاي، ولا أعلم إن كانت موجودة قبل أن أنظر للمرآة أم لا؟!

اللهم اجعلنا من الراضين بقضائك، والمتوكلين عليك.. يا رب العالمين

سبحانك اللهم وبحمدك.. أشهد ألا إله إلا أنت.. أستغفرك وأتوب إليك

نشرت لأول مرة في الفترة بين العام 1999م و العام 2002م .