صورة تعبيرية (المصدر: الإنترنت)

تقود سيارتك متوجها لمكان ما، مشغّلا جهاز التكييف، مستمعا لإحدى الإذاعات أو الأشرطة.. تلمح رجلا يقف على قارعة الطريق، يحمل كيساً بيديه، ثيابه رثّة، تبدوا عليه علامات الإعياء.. قد تراه يلوّح لك بإحدى يديه.. أو قد يكتفي بالنظر إليك.. تتحرك المشاعر بقلبك.. فتقرر أن تقف له.. ولكن.. لقد ابتعدت عنه قليلا.. وأنت تفكر.. تبدأ بتخفيف سرعة سيارتك.. وتحاول الوقوف جانباً..

ما أن يلمح هذا المسكين التناقص في سرعة سيارتك.. حتى تراه يجري نحوك.. ولا تكاد الأرض تحمله من الفرحة.. يقترب من السيارة.. وهو يلهث من هذا الجري.. يفتح الباب والابتسامة ترتسم على وجهه.. فتسأله: “وين تبي يروه؟” فيجيبك بنفس اللهجة الركيكة: “أنا يبي يروح جدام شوي فريج الـ …..”.

بحكم تعاملك المتكرر مع هذه الفئة من الناس في حياتك اليومية تفهم بالضبط المنطقة التي يريدها.. وللأسف.. ليست هي غايتك.. فتقول له: “بابا هذا مافيه طريق مال أنا”.. فترتسم على وجهه علامات الأسى ويقول: “زين مافيه مشكلة.. بس ودّي جدام شوية”.. فتطلب منه الركوب.

تسير في طريقك.. ثم تشير إليه محاولا إفهامه بأن هذه النقطة هي أفضل نقطة يكمن أن ينزل فيها لأنك بعدها ستسلك طريقا مخالفا للمنطقة التي يريدها. فيهز رأسه موافقا.. توقف سيارتك.. يمد يديه مصافحا.. ويدعوا لك من كل قلبه.. ويغرقك بكلمات الشكر والثناء.. والابتسامة لا تكاد تفارق وجهه.. ويقف هذا الرجل.. بانتظار فاعل خير آخر..

أخي الفاضل..

هل خسرت شيئا عندما حملت هذا الرجل معك؟ إنك لم تخرج عن مسارك المحدد.. وإنما حملته وأنت في طريقك.. وأنزلته من غير أن تغير طريقك.. لكنك كسبت.. أتعلم ماذا كسبت..

لقد كسبت أمورا كثيرة.. منها.. تدريب النفس على العطف على الضعفاء..

منها.. موقف يحسب في رصيدك في بنك “من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة”..

منها.. إدخال السرور لقلب هذا العامل المسكين البعيد عن أهله ووطنه..

والآن أخي الكريم.. هل ستقوم بهذا العمل مرة ثانية؟؟

اللهم إنا نسألك الإخلاص في السر والعلن

سبحانك اللهم وبحمدك.. أشهد ألا إله إلا أنت.. أستغفرك وأتوب إليك.

نشرت لأول مرة في الفترة بين العام 1999م و العام 2002م