كنت أقرأ اليوم في كتاب بعنوان: الكتاب الصغير للهدوء، من تأليف بول ويلسون.

يذكر الكاتب مئة وتسعة وأربعين نصيحة تساعد الإنسان على الهدوء. وتتنوع هذه النصائح، فمنها ما يتعلق بجوانب جسدية كتدليك الوجه أو الجسم وغيرها، ومنها ما يتعلق بسلوكيات معينة، كعدم إعطاء أكثر من موعد في وقت واحد، أو الانسحاب من بعض المناقشات عندما يتحول الغرض منها إلى العناد فقط، ومنها ما يتعلق بالإيحاءات الإيجابية التي تتم برمجتها في العقل الباطن.

وفي هذا الكتاب وجدت هذه النصيحة:

أحبب شخصا ما: أدخل في حياتك شخصا تحبه – تشعر نحوه بعاطفة جياشة – بذلك تكون قد فزت بصديق فعال يساعدك على أن تصبح هادئا.

تبسّمت وأنا أقرأها.. ثم عاودت قراءتها.. إن هذه المقولة لا تتفق كثيرا مع ما أعرفه عن الحب وما تحدث به شعراء العرب في الأزمنة المختلفة.

ففي حين أن “ويلسون” يزعم أن الحب يؤدي إلى الهدوء، يرى “جميل” أن الهوى سبب الجنون:

لو قد تجنّ كما أجنّ من الهوى * * * لعذرت أو لظلمت إن لم تعذر

ويزيد “عنترة” على كلام زميله “جميل” فيرى أن الحب قاتله، مع أنه الفارس الذي لا يقف رجل أمام حسامه، فيقول لصحبه:

خليلي أمسى حب عبلة قاتلي * * * وبأسي شديد والحسام مهنّد

أما “عمر أبو ريشة” فيرى أن الحب يسبّب الشقاء للطرفين. فيقول مخاطبا محبوبته:

قفي لا تخجلي مني * * * فما أشقاك أشقاني

لا أنكر أن الحب قد يكون سببا في الهدوء كما يدعي “ويلسون” إلا أن المتفكر في عواقبه قد يفضل الابتعاد عنه. لأن الحب قد لا يدوم، وقد يبتعد المحبوب، وهنا فقط سيندم الطرف الذي اتخذ الحب وسيلة للراحة، وستنقلب راحته غما وهما. وإن رجعنا لشعرائنا القدماء سنجد “جميلا” يتمنى الموت على أن ينعدم اللقاء فيقول:

يا ليتني ألقى المنية بغتة * * * إن كان يوم لقائكم لم يقدر

أما إبراهيم ناجي فيقول:

أيها الوكر إذا طار الأليف * * * لا يرى الآخر معنى الهناء

ويرى الأيام صفرا كالخريف * * * نائحات كرياح الصحراء

أما “محمد الجواهري” فيرى أن الحب أضاعه شبابه ولم يجني ثماره. وليس هذا فقط، بل يرى كذلك أن أضلعه ضاقت ذرعا بما يحمله قلبه من حب وطلبت الخلاص من القلب لترتاح:

شباب ولكن في هواكم أضعته * * * وغرس ولكن ما جنيت ثماره

أسرتم فؤادا لا يحب انعتاقـه * * * بحب سواكم ما رضيتم إساره

خذوه تريحوا أضلعا كابدت به * * * هموما برتها أبعـد الله داره

هل هذا كل شيء!! لا، فيوجد من شعراءنا من يتفق مع صاحبنا “ويلسون” ويرى أن للحب لذة ما بعدها لذة، وهذا ما يخبرنا به هذان البيتان:

تشكّى المحبون الصبابة ليتني * * * تحمّلت ما يلقون من بينهم وحدي

وكانت لنفسي لذة الحب كلها * * * فلم يلقها قبلي محــب ولا بعدي

والآن، أي الفريقين على حق!!

نرى في كلام “ابن زيدون” ما يثبت صحة رأي الطرفين. “ويلسون” الذي يدّعي أن الحب يسبّب الهدوء، و “شعراءنا الأفاضل” الذين يرون الحب سبب الهم والشقاء. فعندما يجتمع الأحباء تغدوا الليالي بيضا متلألئة، أما عند الفراق تصبح الأيام سوداء بائسة:

حالت لفقدكم أيامنا فغدت * * * سودا وكانت بكم بيضا ليالينا

أعزائي القراء. إنها خواطر دارت في مخيلتي في لحظات وأنا أقرا كلمات “ويلسون” فأحببت أن أشارككم بها. ولم أقصد بها إلى إضفاء جو من الترويح عن النفس في الوقت الذي تزدحم الحياة بمشاغل كثيرة تزيد التوتر والقلق. وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك.

نشرت لأول مرة في الفترة بين العام 1999م والعام 2002م .