السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، عزيزي/تي

هذا الموضوع عبارة عن قصة واقعية بكل أحداثها وحواراتها ،، و إن كنت ممن لا يطيقون قراءة الموضوعات الطويلة مثلي فلا ألومك ، ولكن سألتك أن تقرأ على الأقل القصيدتين الواردتين ((( عشان خاطري ))

وتقبل شهرزاد مسترقة النظر إلى شهريار من خلال ذلك الباب الزجاجي الذي يفصلها عنه ، والألم القاتل يعتصر فؤادها ، إحساس مختلف عن الألم الذي يجتاح مشاعرها في بعض الأمسيات ، إن الألم الليلة أكبر فمع نهاية حكاية هذه الليلة سيكون شهريار مجرد ذكرى ، الفراق الليلة يجب ألا يكون هناك لقاء بعده .. ولكنها كعادتها عذبة ، سلاحها في الحياة أن ( ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ) ،، وحكمتها الشهيرة : LoOK aLwAyS tO tHe BRigHt sidE ما يحدث الآن كان سيحدث لا محالة في يوم ما ، ولعل حدوثه اليوم ينهي ما بات يعتريها مؤخرا من مؤشرات الحيرة والتوتر ،، وبسرعة البرق ألبست محياها السعادة ، ذلك القناع الزائف الذي طالما ارتدته في المواقف الصعبة ، أوه كم كان شهريار مهموما الليلة ، مذ عرفته وهو لا يستطيع أن يخفي مشاعره عنها ، إنها تقرؤه من بين الحروف ، وإن كانت تعجب أحيانا من تصرفاته معها ، كم من ليلة ساهرها طيفه ، ثم اختفت عنه او هو اختفى عنها بين ترحال وإقامة ، وها هي الآن أمام عشق عجيب :

عشق جمع مابين قاع وغيمة
فيّض على صدر الثرى دمع الامزان (1)

غيمة … نجمة .. ثريا .. ألا قاتل الله العلو أيا كان نوعه .. وحين بدأت تغلي في داخلها تعابير النقمة أدركت أن حالتها النفسية لم تكن على خير ما يرام ، ولكن لابد من تصنع السعادة من أجل شهريارها الحزين ، لابد أن تسعده قبل أن تقذفه بالصاعقة ، وفي غبة حوارها مع الذات فاجأها بقوله : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبكل الهدوء تثنت في مشيتها إلى ان بلغته ، ووضعت يدها في يده ورفعتها وقبلتها قائلة : وعليك السلام يا مولاي

فنظر إليها وقال :

( إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها

فأكملت ضاحكة كعادتها : ( ورحمة الله وبركاته )

آه لم يعلم كم باتت تحبه ،، وآه من نظرته هذه المشوبة باللوم أو هو الحزن، وشعرت بالألم في يدها التي ما فتئ ممسكا بها وضاغطا عليها وهو يقول:

ليه أحس اني وانا اشوفك حزين
صدري الليلة بهمي ممتلي

كانها الفرقا طلبتك حاجتين
لاتعلمني ولاتكذب على (2)

ابتسمت رغم الألم وقالت بحروف تقفز في الهواء : اشتقت لك you know؟؟

ورد على الابتسامة بأخرى باهته ، علقت عليها بقولها : لعنبو المسنجر اللي ماعلمكم الا الابتسامات الصفرا

فسارع قائلا : والله إني حزين يا عذب ، ولكني رجل مبسام

فبادرت إلى القول: يا إلهي منك مالي أراك تناديني سافرا باسمي صريحا ، هلاّ كنيت فدتك نفسي ، فوالله ما كان في شرع القبيلة مقبولا أن يناديني رجل غريب باسمي هكذا ..

رد قائلا : عفوا يا شهرزاد .. ماذا قلتِ ؟؟!!! أهذا كل ما حركته ابتسامتي في نفسك ؟؟ ذكرى المسنجر أيتها المدمنة النتية .. متى بالله عليك سوف تنتهين عن غيك هذا ؟؟!!

أجابت : آه منك يا شهريار يبدو أنك ستضيع الليلة بأحاديث جانبية . أوما ترغب في سماع حكاية الليلة الألف ؟؟!! سكت مطرقا ، وواصلت هي حديثها : بلغني أيها الملك السعيد أن بديعة الجمال (3) حين قفلت من رحلتها كان هاجسها وهمها الأكبر منصبا على التخلص من أرتال الرسائل التي يحفل بها بريدها الإلكتروني ، رسائل متنوعة أغلبها ( جنك ميل ) فسارعت إلى إيميلاتها العشرين متنقلة ما بين ( ديليت وريبلاي ) إلى أن حط السهم على هذه الرسالة الغريبة ، رسالة من رجل يذكر أنه في الخمسين من عمره ، رسالة ؟؟ بل إنها عبارة عن غزل وقور ، جاد ، مصاغ بحروف مذهبة ،، تنقلت بين سطورها بسرعة ولم تشأ أن ترد عليها .. أغلقت جهازها وغاصت في ساعات يومها لاهية ، وحين جن الليل ، ونامت الأعين ، تذكرت الرسالة ، وأسرت في نفسها أن تجعلها محور قصيدة ، ولاذت بورقتها وقلمها كالعادة ، فكتبت :

شيخ أنا وصباك العـذب يجذبني
والطيش منك تناديه مسافاتي

يا كل فرح دروب الأرض يا حلما
زار الحزين فأودى بالمرارات

يا عذبة وليال الدفء تشعلها
قلبي الشبابُ ، وأنتِ موقد الذات

إني وجدتكِ لحنا ساحرا وصِبا
للحب يهتف في شتى المجالاتِ

أنتِ أتيت فجاءتني الحياة رؤى
من فرط لذتها مادت بساعاتي

صرتُ المتابعَ حرفا أنتِ منشـؤه
طـيفا أسامرك في كل أوقاتي

هل ترهبين مشيبي والحنان هنا
بين الضلوع يناديك بـ ( مولاتي )

خمسون! عمر هواك الغض في جسدي
أرجو لقاك بغدوات وروحات

مرت نساء كثيرات بقافيتي
لكنْ عيونَ قصيدي أنت بالذات

كم صغـت فيكِ قصيدا خلته دررا
قابلتِهِ ببرودٍ! ويح أبياتي

كم ذا مررتِ بشعري غير أبهةٍ
لا ، ما سباك لذيذ من كتاباتي

حدثتُ صبحيَ عن وجدي وعن ألمي
عن ذا الغرام بك تغذوه آهاتي

لازلتِ في غمرات اللهو لاهية
أين العذوبة عن حمى معاناتي ؟؟

صغتِ الحروف لغيري ، ويحها كبدي
كم تصطلي بلهيب القهر ساعاتي

طالت دروب مشُوْقٍ متعَبٍ قلق
يا ويح قلبي أما أغرتك نبضاتي

طالبتك بعهود هل تفين بها
هل تمنحيها فتحلو معك أوقاتي

هل تقبلي فتكوني للمحب صَبا
دوما يهب فيشجيه بنفحات

الصعب يركب للقيا فلا وهنا
يثنيني عنك ولا خوفا من الآتي

والله يشهد أن الصدق في كلمي
والوعد ألا أخون الوعد في الآتي

أو تبسمي فتكوني يا معذبتي
من فيض جودك قد جمّعت أشتاتي

أو ترفضي فسلام الله يا قدري
دوما تجود بحسرات وعبرات

أو فالبسي حلة الرهبان يا أملي
فالعشق عندك ممزوج بطاعات

ثم الحظيني بطرف العين لائمة
جفن الملامة موعود بعبرات

قولي : (مللت من العشاق أجمعهم)
وامضي ببحثك في درب الديانات

سوقي وسوقـي من الأعذار أوهنها
ثم اختميها وقولي في جُميلات :

(أواه منك أضعـت الوقت يا رجلا
غفـران ربيَ ! قد بددتَ أوقاتي )

زمّي شفاهك للأتراب قائلة:
( الشيخ عاد إلى عصر الجهالات)

وارضي غرورك قوليها مباهية:
( ما هذا أول من يهوى كليماتي

إن الرجولة قد تبدو لنا غرضا
كيما الغواية في بعض السويعات

نحن الفتون وقد أنباك سيدنا(4)
أبعد فديتك عن درب الغوايات

وأكملت شهرزاد :

هل ترى أيها الملك السعيد كم كان حديثه بديعا ، حديث يتمازج به الأدب الرفيع مع العقلانية المفرطة ، هذا خلاف ما احتوته الرسالة من توضيح وبيان لاتجاهاته وقراءاته ووضعه الاجتماعي ، كان من ضمن ما قاله :

( والله ما أرى مادّون في ذاكرة الجسد إلا انعكاس لما اشعر به .. خاصة في المقطع الذي يقول : خمسون سنة من الوحدة نصفها تماما ما أسميه السنوات المعطوبة ، كم أحببت من النساء ؟ لم أعد أّذكر على الإطلاق .. وجئت أنت أكبر ذنوبي على الإطلاق ، كنت أنت المرأة الوحيدة التي لم أمتلكها ، والذنب الوحيد الذي لم أقترفه ) يا عزيزتي ،، في أواخر العشرينات من عمري كان لي زوجة لم تمكث معي طويلا فقد طلقتها ، وانتظرت امرأة تضيء مساحاتي.. لا شيطان يقاسمني بيتي .. كم ذا وددت أن تنتهي حياتي بين ذراعي امرأة أحببتها خيالا ، ولكني على استعداد أن أصوغها واقعا حتى وإن دفعت حياتي ثمنا لذلك )

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، وتأودت في خطوها المثقل بالأحزان لتدس في يد سيدها ورقة ما بث أن فتحها وقرأها .. وساد (صمت) رهيب ذلك المكان الرحيب ،، كانت قد كتبت له:

كنتُ القصيد، وكنتُ الطيش مجتمعا
تجتاح كل شجي القلب نفثاتي

كنتُ اللذاذة في فكر تخيلني
مع اندفاعيَ في حبي وآهاتي

إذ كنتُ أغزل من نجم السما حلما
والقلب منشغلٌ ، والشعر مرآتي

يا سيدي ! خفقاتي جد مولعة
في الخوض معك بحورا من صبابات

حرف القصيد به وجد يلملمنا
كم من رسائل عشق موجها عاتي

كم ذا وجدتك في حزن وفي ألم
بددته عنكَ في أصداءِ ضحكاتي

يا سيدي وقوافي القول تخنقني
والقيد يلجم مجنون الإجابات

قيد الولاء لسيدٍ اختارني
زوجاً أنادمه في عمرنا الآتي

شهران تفصلنا عن درب فرقتنا
ها قد وصلنا إلى درب النهايات

شهران يا قدري والعذب مرتحل
كيمـا يواجه دنيا بحرها عاتي

هذا المحب وقد أضحى ينادمني
كم قال منتشيا ( اشتقت مولاتي )

إني أريدك في بيتي معززة
إني أريدك في حصني وساحاتي

لاشك أن تقانا سوف يبعدنا
عن درب غينا ، عن كل الجهالات

مني إليك سلام كل شارقة
مني إليك زكيٌّ من تحياتي

وخرجت لتواجه حشود الأصدقاء وجحافل رفقتها من الأصدقاء ، ورفعت يدها ملوحة بالوداع قائلة – أتمنى تباركون لي ،، عاد انتم خابرين إيميلي m3thb@hotmail.com وتنهدت قائلة : والله لقد تمنيت أن أمكث بينكم أكثر ولكنها الأيام تأمرنا فنطيع ، سبحان من لا يفنيه تداول الأوقات ولا يعتريه شيء من التغيرات ولا يشغله حال عن حال وتفرد بصفات الكمال (5)

كانت هذه الأنباء بالتفصيل وإليكم الموجز: إن نهاية ألف ليلة وليلة نهاية مكذوبة ، وإنها لم تكن نهاية سعيدة على الإطلاق ، ولم يظفر شهريار بشهرزاد ( ولم يخلفا صبيان وبنات ) كما ورد في الأسطورة ، وإنما النهاية فَرضت على شهرزاد أن تبعد عن شهريار وتتزوج أحد أبناء عائلتها فهناك ظروف اجتماعية تحول بينهما من الجانبين ، ومن الآن فصاعدا يجدر بشهرزاد أن تبتعد تماما ، وأن حدث وجمعها بشهريار الحديث فإنه يتحتم عليها أن تلتزم بحديثها معه ..

ادعوا لي وقولوا ( الله يسخره لعذب ) ورجاء ثم رجاء ملاحظة عدم إبدال السين صادا.


1،2 – لبدر بن عبد المحسن
3- الاسم من الأسطورة الأصلية
4- قال صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الفتنة واتقوا النساء )
5- مقتطفات من الأسطورة