في ليلةٍ كان فيها اليأسُ والأملُ
والسهدُ والقهرُ والآلآم والوجلُ

في ليلةٍ كان فيها الحزنُ ثالثُنا
فيها النقيضان : فيها المُرُّ والعسلُ

ألفيتُهُ مستكيناً خلف ( شاشتِه )
حرٌّ أصيلٌ فلا مَيْنٌ ولا دجَلُ

صَبَّ السؤالَ الذي ما عَنَّ 1 لي أبداً :
(( حقّاً تَصَومَعتِ أم حارتْ بكِ السُّبُل ؟!

أين الحروف التي نمّقتِ أروعها
أين الصباباتُ ؟ أين الحبُّ والغزلُ ؟

أين الخيال الذي أحرقتِ مهجتَهُ ؟
أين الوعودُ التي أودتْ بها الحِيَلُ ؟

بل كيفَ أصبحتِ آمالاً مُقَـوّضَةً
يعتادُها من أنين العاشقِ المللُ

من أجل حزنٍ يزورُ الناسَ كلَّهُمُ
بعتِ الحياة ! أما من شأنها الزللُ

إني انتظرتُ الحروفَ المستهام بها
يا ويح قلبي ، فهل انتابهَا الكسلُ

حتى البريد الذي أهديتُ أحرفَهُ
كان الجحود المريرُ الردَّ والمَطَلُ ))


دونتُ ردي بدمعِ العينِ باكيةً :
أحييتَ فيني رميمَ الحزنِ يا رجلُ

العين تبكي فما قولي وقد رحلوا
جرحي عصيٌّ ! فهل – فُدِّيْتَ – يندمل

يا ويل قلبي على أهلٍ لنا فُـقِدوا
لا من عزاءٍ لفَقْدٍ قَادَهُ الأجلُ

قد غار جرح الرحيل اليوم في كبدي
هذا مصابي بهم يا سـدي جلل

أُلبِسْـتُ من حُليةِ الأيامِ أجملها
خِلتُ اللذاذاتِ تبقى ما بَقَى 2 الأزلَ

والآن أُنْظُر إلى دهري يؤنبني
الحيف طبعٌ له والجور والسَّدَلُ 3

واهاً لأيامهِ أضحتْ تُقَرِّعُني
واهاً لأوضاعهِ أضحى بها خللُ

إنْ قد تصومعتُ فالإيمانُ مَكرُمةٌ
يهدي إليها الإلهُ القومَ ما عقلوا

إن كان في الظن إثمٌ فاليقين هنا
أن الأحاسيس لا ينزل بها الأجلُ

لا…. لن يموتَ الغرامُ العذبُ ما بقيتْ
فـي قلبيَ الغضّ أطيافٌ لهُ أُوَلُ


(1) عن ّ: اعترض
(2) بـَـقـَى : طيء تقول ( بـَـقـَـى ) مكان ( بـَـقِـى )
(3) الـّسـَّـدَل : الميل