اعلم يا هذا -رحمك الله ورحمني- أنه من بلاوي هذا الزمان، ومن أسباب فرقة الاخوان، أن يبتليك الله بالادمان.. ولا أقصد هنا ادمان المخدرات، وانما ادمان الانترنت والتشات*، مع شيء من الكتابة بالمواقع.. التي وان كانت لذيذة، الا انها بلوى على شكل حلوى !!؟ حتى اذا ماتلذذت بطعمها، وأعجبتك صحبة ربعها، وجدت أنها قد أحكمت عليك الوثاق، وأنقلبت لتكون لك نعم السجان المتصرف بمشاعرك وفكرك.

وبعد هذه العجالة.. تعال واستعرض معي بعض الآلام، التي ستصيبك لامحالة اذا بادلت النت الغرام:

  1. ستجد نفسك -ياصاحبي- بعد برهة من الزمان مسلوب الإرادة، بعيدا عن العبادة، تشغل جلّ وقتك بالتصفح، وتنقر الصلاة نقرا، وتجد لك في سجود السهو عذرا، لكثرة السرحان، مدعيا النسيان.. حتى اذا ما أظلك الليل بجناحه، وحدثتك نفسك الزكية، حسنة الطوية، بلقاء الرحمن في هجعة الخلان، وجدت نفسك تستتعيض بالنوم عن صلاة الليل، لانه ياعيني مافيك (حيل)؟؟!! وتكون بذلك فقدت شيئا من آخرتك التي تأمل أن تكون فيها سعيدا.. لا شقيا عن رحمة الرب بعيدا.
  2. ستفاجأ بعد فترة من الادمان أنك تقصر بواجبات الاهل والخلان.. وان تفاعلك مع المجتمع قل، وانك بالالتزامات (منغثٌُُ ومُنعل) فتبدأ تتعذر بكثرة المشاغل، وأنت خير من يعلم ان ادعاءك هذا باطل.
  3. ستترك الرياضة التي كنت تزاولها منذ زمن، مقتنعا انها لك مفيدة، ويبدأ يظهر لك كرش، ويقل في يدك القرش، خاصة اذا كنت من مرتادي المقاهي**.. أما عمودك الفقري.. فـ(عشان خاطري) لا تنظر له بالمرآة.. لانه سيكون مليئا بالانحرافات.. اما من حيث الاصابع فـ الله يخلفها عليك.
  4. ستضطر مرغما أن تودع سكونك النفسي، وينقلب استقرار مشاعرك الى عواصف وأعاصير، فلا ترتاح وانت في السرير، فالفكر دائم الانشغال، في قيل وقال، وطال وقصر، وأنواع الهذر.. فتشعر أحيانا بالام في قلبك، وغثيان في كبدك، و (مخولة) بأفكارك.. وتتقلب في سريرك يمنة ويسرة، ويسرة ويمنة، واضعا المخدة تحت رأسك تارة، وفوق رأسك تارات.. حتى اذا أبت عيناك أن تنعس، كتمت أنفاسك بالمخدة علك تنام أو تفطس.
  5. أما اذا كنت من الـ(نرفوزين)، الذين لهم جلد على المهاترات.. ونفسهم فيها طويل، ولاشيء أمام اطلاق لسانهم مستحيل، وفي الحديث باعراض المسلمات منشغلين.. فيا ويلي عليك.. انت يا ولدي.. مسكين.. مسكين.. مسكين.

واسمح لي بهذا المقام أن أشد على يدك مهنئا اياك -والعياذ بالله- على خسرانك دنياك مع آخرتك.. والله يتولاك برحمته.

ففي الدنيا ستخسر مودة من حملت راية عدائه.. وكذا كل أصدقائه، وستكون بينهم منبوذا، ومن عالمهم مطرودا.. أما آخرتك فاعلم أنك حتى وإن كنت في النت فأنت مسلم والآخرون مسلمون ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).. فكون إخوانك المسلمون لا يسلمون منك نتّيا فهذا -والله أعلم- يدخل ضمن أنهم لم يسلموا منك لسانيا، والله لا يحب الفاحش المتفحش البذيء.. وفي حديث صحيح رواه مسلم رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس ؟ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة؛ ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).. اللهم إنا نعوذ بك أن نكون من المفلسين في وقت نحن في أشد الحاجة إلى الربح.

ولتعلم أيها العاقل أن هناك فرق بين الشماتة والنصيحة فإنك إن رأيت من أخيك عيبا -ومن منا يخلو- فليست الإذاعة والشماته هي الطريق لإصلاح إعوجاجه وإنما النصيحة الخالصة لوجه الله مرفودة بألفاظ التحبب التي ترقق الفؤاد.. فوالله إن الشماتة لا تقابل إلا بالرفض والعناد والكراهية أما النصيحة الخالصة لوجه الله فهي مجال القبول ومفتاح المحبة جعلنا الله وإياكم ممن يسمعون القول ويتبعون أحسنه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والله المستعان

* تشات: غرف المحادثة (Chat) التي كانت منتشرة في تلك الفترة.

** مقاهي: يقصد بها مقاهي الإنترنت، حيث لم يكن الإنترنت متوفرا لدى الجميع في المنازل آنذاك.