تعلم بمرضه.. تريد ان تراه قبل ان يكتب الله مالا تعلمه فأنت ماعدت صغيرا على مواجهة مثل هذه المواقف.. خاصة وانك تعلم ان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ , وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ).. وتعلم ان عيادة المريض عيادة لله سبحانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟)ـ
آه ما أقسى الظروف التي استدعتك أن تلج هذه الغرفة المليئة بالاجهزة المساعدة على الحياة.. تقف بكل شبابك وقوتك وصحتك.. تسلم على هذا الجسد الضعيف المسجى على سرير كان يوما يرقد على مثله للراحة.. اما اليوم فهو قيد الكآبة.. انه لايجد طعما لك ولا لتواجدك.. قد يبتسم لك لكن قسمات وجهه المتألمة تقرؤك مايريد قوله: أنا مكتئب مكتئب
تسلي نفسك بما تعرفه من أن (أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ الصالحونَ ، لقدْ كان أحدُهم يُبتلى بالفقرِ حتى ما يجدُ إلا العباءةَ ، يجوبُها ، فَيَلْبَسُهَا ، و يُبتلى بالقملِ حتى يقتلَه ، و لَأَحَدُهُمْ كان أشدَّ فرحًا بالبلاءِ من أحدِكم بالعطاءِ)ـ
تستدعي كل ماتحفظه مما قد يخفف الضيق الذي يشعر به.. تذكره بأن عبد الله رضي الله عنه قال: (دَخَلْتُ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهو يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بيَدِي، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَجَلْ إنِّي أُوعَكُ كما يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنكُم قالَ: فَقُلتُ: ذلكَ أنَّ لكَ أَجْرَيْنِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَجَلْ، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما مِن مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِن مَرَضٍ، فَما سِوَاهُ إلَّا حَطَّ اللَّهُ به سَيِّئَاتِهِ، كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا)، وتردف قائلا: قال صلى الله عليه و سلم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه).
انه يسمعك.. ويستوعب كل ماتقوله.. لكنه بصوته الخافت يهمس لك: مليت من المرض قاتله الله.. ليت الله ياخذني وارتاح.. تؤلمك جملته هذه.. لانها تشعرك بمدى ألمه.. وتتذكر قوله صلى الله عليه وسلم لاحدى الصحابيات فيما روي من أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَل على أمِّ السَّائبِ أو أمِّ المسيَّبِ وهي تُرفرفُ فقال: ( ما لك يا أمَّ السَّائبِ أو يا أمَّ المسيَّبِ تُرفرفينَ ؟ ) قالت: الحمَّى لا بارَك اللهُ فيها فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( لا تسُبِّي الحمَّى فإنَّها تُذهِبُ خطايا ابنِ آدَمَ كما يُذهِبُ الكِيرُ خبَثَ الحديدِ ) وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أحدُكم الموتَ لِضُرٍّ نزل به ، فإن كان لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا ، فلْيَقُلْ : اللهم أَحْيِنِي ما كانت الحياةُ خيرًا لي ، وتَوَفَّنِي إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي) وترشده و نياط القلب تتقطع عليه.. بأن يقول اذا اشتد عليه الكرب ماكان يقوله صلى الله عليه وسلم: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ)ـ
وتخرج من عنده وأنت تجر قدميك مثقلا بالهموم، وتزدرد غصص الاسى فالكآبة أسرع المشاعر عدوى!! تسير في ردهات المستشفى وانت تحاول اغماض عينيك عما تراه من مآسي البشر.. وتتمتم في داخلك (الحمدُ للهِ الذي عافَانِي مِمَّا ابْتلاكَ به ، و فَضَّلَنِي على كَثيرٍ مِمَّنْ خلق تَفضِيلًا).. وتخرج من هذا المكان بمشاعر غير تلك التي دخلت بها.. آآآآه ما أحقر هذه الحياة التي لاتسوى عند الله جناح بعوضة
تركب سيارتك مع صديقتك التي صحبتك.. وتغوص في صمت قاتل.. لا تريد ان تتحدث.. تفكر بكل عمق.. بكل حزن.. وتشعر الصديقة بألمك.. وقد تكون تخيلت دموعك التي يخفيها غطاك.. فتحاول تسليتك قائلة: اتمنى انه في آخر حياتي يصيبني مرض عضال تحات من جرائه ذنوبي وينقيني من ذنوبي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس.. فأقابل وجه ربي وقد غفر لي.
ولكن هذا الكلام لا يسليك وانما يزيد ألمك فأنت لاتتخيل ان تصاب توأم روحك بشي.. وتلفت اليها كالملدوغ قائلا: ياشيخة خافي ربك.. حرام عليك.. أحد يدعي على نفسه بالمرض.. ليه ماتطلبين ان الله يغفر لك ذنوبك ويمتعك بالصحة والعافية.. انت تطلبين كريم.. رحيم.. قادر.. مستجيب.. عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تُطِيقُهُ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؟ قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ ـ
انك لا تريد العودة الى المنزل.. فمشاعر الالم تكاد ان تقتلك.. وتدلف الى أقرب (سوبر ماركت) للبحث عن شيء لاتعلمه.. ولكنها خطوة للعلاج النفسي.. تبحث عن مشروب بارد يقتل الحرارة التي كادت ان تحرق صدرك.. ولكنك تفاجأ بوجود ممرضات انتشرن في هذا المكان يصحبن أطفالا بعضهم على مقاعد متحركة..و البعض يمشي بطريقة ينقصها الكثير من التوازن.. نظرات شاردة.. وابتسامات غير موجهه.. لا تحتاج وقتا كثيرا لتدرك أنهم أطفال أحد المعاهد الفكرية.. أخرجوا اليوم للترويح عنهم
تذرف دمعة ساخنة تنساب على خديك.. لا تعلم أذرفتها من أ جلهم.. أم من أجل أم أو أب ابتلي بطفل منهم
تخرج مسرعا وكأن أحدا يطاردك
لاتعلم كيف ستنام ليلتك هذه!!؟؟
هناك في منزلك يأتيك هاتف عاجل.. أنت مدعو غدا لعيادة أطفال يحتاجون من يزورهم ويدخل السعادة البى قلوبهم.. انهم نزلاء المستشفى المخصص لعلاج اللوكيميا
تتفت الكبد لما تراه.. آه ماأكبر حجم الالم: ألم الاطفال.. ألم الوالدين
دعوة أخرى توجه اليك لحضور أحد فعاليات معاهد النور التي يتلقى فيها الكفيفون تعليمهم.. وأخرى لزيارة معاهد الامل التي يتلقى فيها الصم والبكم تعليمهم.. هناك تختلط المشاعر فخرا واعتزازا بالاصرار على النجاح.. وغبطة بالصبر على الابتلاء
وتترى عليك أخبار المصائب.. ومشاهداتها.. شئت أم أبيت.. فهذا يعاني من شلل من جراء جلطة.. وذاك متشوه بعد تعرضه لحادث.. وآخر قطع جزء من جسده لانقاذ حياته.. وهذا يتقطع قلبه لمرض ابنه… الخ
تنظر الى نفسك.. هل أنت محصن ضد الابتلاء!!؟؟
هل أديت شكر ما أنعم الله عليك به.. وما جنّبك اياه من المآسي!!؟؟
نعم أسبغها الله عليك.. ما قدرتها حق قدرها.. والا لما غادرت سجادتك.. ولما أنزلت المصحف من يدك.. ولما احتفظت الا بالقليل في خزائنك
نسأل الله العافية في الدنيا والاخرة
قال صلى الله عليه وسلم في حديث حسن: (يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ)ـ
وان حدث ان ابتليت بشيء من مصائب الدنيا: في نفسك او ولدك او اهلك او مالك فاياك.. اياك.. ان تحدثك نفسك بما يفعله المشركون: قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا فِيهَا أَبَدا. وَمَنْ شَرِبَ سَمّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا مُخَلَّدا فِيهَا أَبَدا. وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا مُخَلَّدا فِيهَا أَبَدا)ـ