ولأن الحب ليس رواية شرقية بختامها يتزوج الابطال .. ولأن أروع قصص الغرام ما مزقته براثن الفراق – أعاذنا الله وإياكم من حر الجوى وهبوب رياح النوى – ولأنه مما يلهمنا الصبر ويكسونا بردة السلوى هو إيماننا أن الفراق إرادة من الله سبحانه وتعالى الذي يجعلنا نؤمن أنه رحمة على الرغم من إحساسنا بالألم ومرارة الانفصال بين روحين امتزجتا بكأس ألذّ عاطفة أنعم الله بها على قلوب البشر ..

عود على بدء.. نقول والله المستعان أن الفراق تعددت مسبباته فالعادات لها دور والأعراف الاجتماعية والملل والخصام واختلاف وجهات النظر ويتزعم ذلك كله (الغيرة العمياء) وليس بالضرورة أن ترفع راية الفراق من قبل الرجل دائما بل إن للحبيبة في الأحيان الكثيرة الخطوة الأولى في قص شريط البدء في هذا الـ(ماراثون) الكريه الذي نهايته المحتومة: سقوط وكسور ورضوض قد يمسحها الزمان وقد تخلف ندبتها الغائره في الوجدان العليل..

يقول د. غازي القصيبي: أن المرأة من الهنود الحمر في ولاية (أريزونا) إذا أرادت التخلص من زوجها فإنها تكتفي بوضع سرج حصانه على باب الخيمة ليضعه الرجل على حصانه ويذهب بلا رجعة، أما في هذه الأيام – والكلام للدكتور – فأعتفد أن الحبيبات يكتفين بإغلاق جهاز الموبايل ليفهم الرجل المقصود؟؟!! إلى هنا انتهى كلامه – عفا الله عنه وعنا –

لالا مستحيل يا دكتور عز الله رحنا فيها حنا مطفين موبايلاتنا 23 ساعة باليوم (والكلام لصبا) أما في عصور ما قبل الموبايل فالعلاقه تنتهي بإحراق الرسائل كما يقول إبراهيم ناجي متحدثا عن رسائل طالما باتت هانئه بين يديه طوال سنوات الغرام :

اشعلتُ فيها النار *** ترعى في عزيز حطامها
تغتال قصة حبنا *** من بدءها لختامها
احرقتُها ورميت قلبي *** في صميم ضرامها
وبكى الرماد الآدمي *** على رماد غرامها

وأكاد أجزم وأنا ولله الحمد لم أجرب إلى حين كتابتي هذه الأحرف هذا الموقف أن مع ضراوة النار الملتهبه في الرسائل نارا أقسى وأعتى تشتعل بين الحنايا ..

أكاد أجزم أنه في مرحلة من مراحل هذا الحرق والاحتراق تتداخل العزة بالانخذال والانكسار بالانكسار .. ولعل الندم له قصب السبق في هذا الميدان الكئيب.. أكاد أجزم – ويا كثر ما أجزم – أن المرء يتمنى لو لملم الرماد ووضعه في إناء مذهب وشق صدره وأخرج قلبه ليدفنه مع ذاك الرماد.. ففراق أحرف الحبيب صعب.. و كم هو متعب أن ترحل الحروف وتبقى الجروح النازفة والقلب المكلوم..

أما شاعري الشفاف “بدر بن عبد المحسن” فاعتقد أن قلبه رقيق مثل قلبي فلا أظنه يجرؤ على الحرق والاحتراق ولأنه لم يخيب ظني فيه يوما فقد اكتفى بإعادة الأمانة لأهلها.. ورقا بلا مشاعر.. ورقا جامدا شوهت بياضه ذات يوم كتابات يقال إنها كانت أحرف عشق.. مهداه إلى قلب رجل من حبيبة راحلة..
وبكل القسوة أتت تستلم أدلة حبها المختوم بالحنظل وتسلمه إثباتات عشقه المتشح بالهزيمة.. ويقول بدر:

و جت .. تاخذ رسايلها ..
و خصله من جدايلها ..
و تديني جواباتي ..
بقايا عمر ” بسماتي ” ..
و قالت لي: فمان الله ..
و لم يبق من عزة الجريح و كبرياء الشموخ الا الرفض .. رفض كومه اوراق بلا نبض …
لا تردين الرسايل ..
و ش اسوي بالورق ..
و كل معنى للمحبه ..
ذاب فيها و احترق ..

هذاك ناجي و هذا بدر .. طيب و حنا !!!!

هل ترانا ونحن نضغط على زر ” Delete ” نشعر بألم “رماد غرامها” أو معاناه “أخذها لرسايلها وخصله من جدايلها” ؟؟؟؟

يا ترى هل ناجي و بدر خلقا من طين خلاف الذي خلقنا منه ؟؟ طينا يهيؤهما ليملكا قلبا ينزف وعينا تدمع في لحظه الفراق !!

أم أن السر يكمن في أن رسائل هذا الجهاز لا رماد لها.. وأسماؤه المستعارة خلقت بلا أيدي تمد في لحظة الوداع لتشعل النار بين الجوانح ..

هل العيب فينا أم في التكنولوجيا التي حرمتنا لحظات التلذذ ؟؟

الله أعلم …

وقفة:
( لا مرحبا بغد و لا أهلا به
إن كان تفريق الأحبة في الغد )