يحكي الله تعالى في محكم آياته عن عبدٍ صالحٍ يسمى لقمان. لا يفصّل القرآن نسبه أو أصله، كما لا يبيّن إن كان نبيا أم عبدا صالحا من غير نبوة. إلا أن أكثر السلف يرى أنه كان عبدا صالحا.

لقد أعطى الله تعالى عبده الصالح لقمان الحكمة. فكان لقمان عالما بالأحكام، وفقيها في الدين، وسديد الرأي، وصائبا في القول. وأمره الله تعالى أن يشكر نعمه التي خصه بها عمن سواه من بني جنسه وأهل زمانه بالعمل بطاعته وترك معصيته.

ينتقل القرآن الكريم بعد ذلك لينقل لنا صورة من صور حكمة لقمان، وهي وعظه لابنه. حيث أوصاه في جوانب العقيدة والسلوك والعبادة. فنصحه بإخلاص العبودية لله وحده، وألا يشرك به شيئا، فالشرك أعظم الكبائر وأبشعها. ثم انتقل لقمان في وصيته من عبادة الله لبر الوالدين. حيث أوجب الله تعالى على الإنسان بر الوالدين والإحسان إليهما، حتى وإن كانا مشركين، وحتى إن تجاوزا ذلك بأن ألحا وحرصا عليه أن يتبعهما في الكفر ويشرك بالله. فعلى المسلم في هذه الحالة، ألا يطيعهما في معصية الخالق، وأن يظل في إحسانه إليهما فيما دون ذلك.

ثم بيّن لقمان لابنه عظم علم الله تعالى ودقته وشموله. فالله تعالى يعلم بالسيئة وبالحسنة حتى وإن كانت متناهية الصغر، في حجم حبة خردل، وكانت في بطن جبل، أو في السماء، أو في الأرض، فإن الله سيحاسبه عليها يوم القيامة.

ينتقل لقمان في وصيته بعدها للعبادات، فيوصي ابنه بإقامة الصلاة فهي عماد الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المكر، فبه تستقيم الحياة، ويصلح المجتمع. ويذكّره بأهمية الصبر على الأذى الذي قد يلاقيه من الناس عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك هو نهج الأنبياء والرسل.

ويختم لقمان وصيته لابنه بالسلوك الواجب اتباعه. فعليه ألا يشيح بوجهه عن الناس تكبّرا عليهم واحتقارا لهم. وألا يمشِ في الأرض مختالا ومتعاظما على خلق الله، بل يجب عليه التواضع والتحدث بأدب. وقد عبر عن الأدب بخفض الصوت، فلو كان من رفع الصوت فائدة لما اختص به الحمار.

هذه الوصايا التي وصى بها لقمان ابنه تجمع أمهات الحكم، فخلّدها الله تعالى في كتابه العزيز، تتلى إلى يوم الدين.