عبد الله المهيري
8 أبريل 2002
الإدارة بالتخويف، أسلوب متبع من قبل مدراء كثر، يظنون أن هذا الأسلوب هو الأسلوب الأمثل لإدارة الموظفين، فالموظفون دائماً في محل شك وريبة، إن هم أحسنوا فهذا شيء عادي لأنهم يجب أن يحسنوا العمل، وإن أساءوا فالويل لهم، فهناك العقوبات الكثير والملائمة لكل موظف، ومهمة المدير هنا تصبح كالسجان والجلاد، فمكانته كمدير تتيح له أن يكون سجاناً لهؤلاء الموظفين، والعقوبات تعتبر سوطاً يضرب به كل خارج عن قوانينه الشخصية.
طبعاً في أرض الواقع الأمر نسبي، هناك من المدراء من هو أشد بطشاً مما ذكرته في المثال السابق وهناك من هو دون ذلك، وظهور مثل هؤلاء المدراء واعتلائهم هذه المناصب وتعاملهم مع الموظفين بهذه الطريقة أمر طبيعي كما أرى، فما هذا المدير إلا نتيجة لمجتمعه الذي يعيش فيه.
ولننطلق من المنزل، فالأب أو الأم أو كلاهما، يعدون أخطاء أبنائهم بكل دقة، وكل خطأ له عقاب خاص، وتتراوح العقوبات ما بين التهكم والسخرية إلى الضرب المبرح والحبس في غرفة مظلمة! والبيت في هذه الحالة يكون سجناً لا مشاعر فيه، وعندما يكبر الأبناء فهم يكبرون على حالتين، فإما أن يكونوا متمردين، يكرهون الحياة ونظرتهم سوداء لكل شيء، أو يصبحوا ضعاف الشخصية لا وزن لهم في هذه الحياة، فقد تعودوا من البيت إلغاء شخصياتهم، وبكل تأكيد سينتظرون من المجتمع أن يملي عليهم كل شيء، والقليل منهم يخرج بصورة أخرى قد لا نتوقعها.
نذهب قليلاً خارج المنزل، فنجد أن الكبير يأكل الصغير، والقوي يستعلي على الضعيف، والخبيث يخدع الساذج، وهذه الصورة السوداء لا تعمم أبداً، فهناك خير والحمد لله، وما أعنيه أن الظلم والبطش وعدم الرحمة موجودة بين الناس أيضاً، والناس يتكلمون وكل يوم حديثهم عن الناس أنفسهم، وقلما يكون هذا الحديث في خير، بل هو في تعداد أخطاء الآخرين ومعايبهم، فالآخرون يخطئون ونحن لا نقع في أخطائهم، ولكن الآخرين أيضاً يرون أننا نخطأ وهم لا يقعون في أخطائنا!!
وتستمر هذه الدائرة المغلقة في الدوران أو الناس يدورون فيها بلا نهاية مرتقبة أو حل يخرجنا من هذه الحالة.
نذهب للمؤسسات والدوائر والوزارات، فالموظف يعمل في بيئة غير مشجعة، والإدارة تعد له أخطائه فقط دون الإنجازات، والمراجعين يعانون من هذا الموظف، فهو كثير التذمر عصي على الفهم لا يرضيه شيء ودائم يعبس في وجه الآخرين، والمدير المسؤول عن هذا الموظف يتعامل معه بأسلوب العصا والعصا!! وهو أسلوب مختلف عن أسلوب الجزرة والعصا! والاختلاف يكمن في أن المدير لا يرى في الموظف سوى آلة لإنتاج الأخطاء التي يجب أن يعاقب عليها، وهذه وظيفة المدير المثالية من وجهة نظر المدير.
وبيئة المؤسسة تنتشر فيها المحسوبية فلأن هذا الموظف هو ابن فلان فيجب ترقيته مع أنه استلم وظيفته قبل أقل من سنة، ويبقى ذلك الموظف في مكانه عابساً في وجوه المراجعين لأنه ليس ابن فلان.
نزور المدارس قليلاً، المدرس يرفع صوته مهدداً منذ أول لقاء له مع طلبته، بأنه لا يرحم أي طالب، وأنه لا يعير أي اهتمام لقرار الوزارة في منع الضرب، فهو سيضرب مهما كانت القوانين، وهذا المدرس يحمل عصاه معه دائماً، ويلوح بها دائماً في وجوه الطلبة مذكراً إياهم بأنه يملك عضلات كافية لكي يفردها في أجسامهم الصغيرة، ولسانه أشد قوة من عصاه، والغريب فعلاً أنه لا يعامل طالب يجلس في آخر الفصل بنفس المعاملة، فذلك الطالب له مكانة خاصة، فهو البقرة التي تدر مالاً على المدرس عبر الدروس الخصوصية.
والمدرسون أنفسهم يعانون من عدة أمور، فوضعهم المالي لا يكفي لمواجهة متطلبات الحياة، وقد ينفق بعضه شيء من ماله في الصرف على متطلبات التعليم، والطلبة لا يعاملونهم كما يجب أن يتعامل الطالب مع المعلم، فمكانتهم لم تعد كما كانت في السابق، وقد يتكرر ما ذكرناه من تعامل الإدارة السيئ تجاه الموظف مع المعلمين، فهم يعانون في الكثير من الأحيان من إدارة غير متعاونة.
أعيد وأكرر بأن كل هذه الصور السوداء لا يمكن تعميمها، فهناك استثناءات لكل هذه الصور، وما أريد أن أصل إليه في نهاية المطاف، أن هذه الصور تكون في النهاية شخصية المدير المتسلط الذي يدير بأسلوب التخويف والترهيب، فقبل أن يكون هذا المدير مديراً، فقد كان طفلاً في منزل يدار بالتخويف، وذهب إلى مدرسة تعلم بالتخويف، وتعامل مع المجتمع لا يرحم، واضطر إلى أن يتعامل مع موظفين يعانون من الظلم، وعندما يصل هو إلى منصبه، فهو لن يكون شاذاً عن السلسلة السابقة، فالتخويف معشش في مخيلته، وقلما يخرج من هذه البيئة شخص يكون مختلفاً عن كل ما سبق، فلنعالج الأصل وستعتني الفروع بنفسها.
عبد الله المهيري