عبد الله المهيري
3 يناير 2002
أتابع بشكل يومي برنامج أستديو واحد من إذاعة أبوظبي، والبرنامج متميز في عرض مشاكل الآخرين وتعريفنا بها، وكذلك في عرض السلبيات التي تعيق الأداء المتميز والإنتاجية الفعّالة لمؤسسات الدولة وموظفيها، أشكر القائمين على البرنامج على جهودهم الواضحة وأتمنى لهم كل التوفيق.
البرنامج يتلقى شكاوى كثيرة حول الأداء المتواضع لمؤسسات الدولة، حيث الشكاوي تركز على أن نظام المعاملات في بعض المؤسسات الحكومية يسير ببطء شديد وفوضى كبيرة، فمن يتعامل بنظام إنهاء المعاملات بالبريد تصله معاملة أخرى غير معاملته، ومن يقف في الطابور فعليه الانتظار والصبر لساعة أو أكثر، ثم إذ تعطل الحاسوب فعليه أن يعود في اليوم التالي، أو يصبر ويضيع على نفسه ساعات ثمينة، لعل الحاسوب يعود للعمل مرة أخرى.
والوقوف في الطابور يعني الصبر على الزحمة وشد الأعصاب والجو الخانق وربما يزيد من مأساوية كل هذا شخص مدخن تبتلى بوقوفك إلى جانبه، وفي خضم هذه الزحمة تجد الموظفين في فوضى وعدم انتباه أو معرفة بتفاصيل العمل، فمعاملة تضيع هنا، وعلى صاحبها إعادة تقديم المعاملة مرة أخرى، وورقة تضيع هناك، وربما لن تنتهي هذه المعاملة إلا إذا وجد الموظف أو صاحب المعاملة الورقة الضائعة.
والإدارة تتخبط في وسائل وطرق جديدة لإنهاء المعاملات، يثبت فيما بعد أنها طرق عقيمة أو تحتاج إلى تحسينات كثيرة لكي تتفادى السلبيات، والمراجعون وكذلك الموظفون تزداد حيرتهم ويزداد تخبطهم في خضم هذه الأنظمة المتجددة يومياً.
وإني أستغرب كثيراً من كل هذه السلبيات، واستغرابي يزيد حينما أجد أن الحلول متوفرة وسهلة التطبيق، والناس كلهم يشاركون في وضع هذه الحلول، فالناس يكتبون للصحف، ويتحدثون في الإذاعة والتلفاز، ويتحدثون فيما بينهم حول المشاكل والحلول، لكن الواقع دائماً يرفع لافتة كبيرة، كتب عليها “لا تغيير ولا تطوير!”.
وأعتقد أن هذا بسبب أن التغيير دائماً يطال القشور فقط، فمثلاً تقوم بعض المؤسسات بإدخال الحاسوب، ليكون وسيلة لإنهاء المعاملات بشكل أسرع، لكن يتم تطبيق ذلك مع بقاء النظام القديم للعمل، وبذلك الحاسوب لن يفيد أبداً في زيادة الإنتاجية، إذ على الإدارة أن تراجع النظام من جديد، وتبدأ في التفكير في كل الثوابت والأفكار القديمة، لماذا النظام يسير هكذا؟ لماذا قسمنا العمل على أكثر من موظف؟ لماذا طلبنا هذه الأوراق والمستلزمات؟ وتداوم على التساؤل وإلغاء كل ما ليس منه فائدة أو قد تقادم العهد عليه ولم يعد يصلح لوقتنا الحاضر، ثم عليها أن
تعيد تصميم العملية أو أسلوب إنهاء المعاملات بشكل مختلف تماماً عن الشكل السابق.
والحل الذي أراه مناسباً هو أن نجعل لكل معاملة موظف واحد فقط، يقوم بإنهاء جميع مستلزمات المعاملة وله الصلاحية الكاملة في إنهاء المعاملات وتسييرها وتحصيل الرسوم ومتابعة المعاملة إن احتاجت إلى أوراق أو موافقات إدارات أخرى، وبذلك قد تحتاج المعاملة الواحدة إلى أقل من نصف ساعة بينما كانت في السابق تأخذ أياماً أو ساعات، تخيلوا أن هذا الحل طبق في قسم التراخيص في المرور، أو في وزارة العمل، أو دائرة الجوازات، ماذا سيحدث؟ سيستريح المراجع من عناء التنقل بين أكثر من قسم لإنهاء المعاملة، مما يقلل من الوقت اللازم لكل معاملة.
طبعاً البعض سيعارض هذا، بمبررات عديدة، والمشكلة هنا أنه يتمسك بالنموذج السابق ولا يريد تغييره ويقاوم التغيير لأسباب عديدة، والسبب الرئيسي هو عدم الثقة، وأقصد عدم ثقة الإدارة بالموظفين وبقدراتهم وعدم الثقة بالمراجعين! ورغبتها في إحكام السيطرة على كل شيء.
وبسبب عدم الثقة هذه، نجد أن الموظفين لا يجدون فرصة لإثبات أنفسهم، ولا يتطورون أو يتقدمون في مستواهم الوظيفي والإنتاجي، والمدراء مشغولون بتفاصيل العمل اليومية، بينما عليهم أن يهتموا بأمور أهم من هذه التفاصيل، عليهم تفويض هذه الأعمال إلى الموظفين، والاهتمام بخلق بيئة تساعد الموظف على الإنتاج بأقصى ما لديه من طاقة وقدرة، وعليهم أن يخططوا للمؤسسة ويتابعوا مجريات الأعمال ليكونوا على اتصال دائم بمجريات العمل، وعليهم أن يخلقوا قنوات اتصال غير رسمية بين مختلف الإدارات لتبادل المعلومات والخبرات.
وعليهم الشيء الكثير! فالمسؤولية على عاتقهم أكبر من غيرهم، وفشل المؤسسة يعتبر فشل لجهودهم، ونجاحها يعتبر نجاح لهم، فهل يعي المدراء هذا؟
عبد الله المهيري