عبد الله المهيري
8 أبريل 2002
أراد أحد الشباب أن يفتتح شركة لبيع الحاسوب، وقد كان الحاسوب شيئاً جديداً في ذلك الوقت، ابتدأ عمله بتحويل مرآب السيارات في منزله إلى مقر شركته الجديدة، وبدأ بتجميع مكونات الحاسوب ليصنع حاسوباً متكاملاً ويبيعه عن طريق البريد، وفكرته تقوم على أساس أن مستخدمي الحاسوب لا يريدون أية خدمات إضافية تزيد من سعر الحاسوب، فلذلك كان يبيع الحاسوب بدون أي ضمان أو خدمات وبسعر منافس، واليوم شركة هذا الشاب من أشهر شركات الحاسوب في العالم، ويعتبر من أغنى عشرة رجال أعمال في الولايات المتحدة.
قصة أخرى لرجلين كانا يحبان هندسة الإلكترونيات، فقاما بافتتاح شركة لهما في مرآب سيارات أيضاً، وأسمى شركتهما باسميهما، والأساس الذي بدأت به هذه الشركة يقوم على ابتكار أجهزة إلكترونية وإبداعها لخدمة الناس وتوفير المال والوقت عليهم، وتوالت ابتكارات هذه الشركة، وكانت بيئة العمل فيها تعتمد على أساس الابتكار والتجديد والجرأة في طرح الأفكار الجديدة، واليوم هذه الشركة دخلت في مكاتبنا ومنازلنا، وأستطيع أن أؤكد أن كل منزل فيه حاسوب لا بد أن تكون بجانبه طابعة من إنتاج هذه الشركة، ومنتجاتها اليوم تتراوح ما بين الحواسيب وملحقاتها إلى المنتجات التقنية العالية والمنتجات الطبية كذلك.
قصة ثالثة، تخبرنا عن شابين أرادا أن يبتكرا نوعاً جديداً من الحواسيب، ولم يجدا التشجيع من الشركات الكبرى في ذلك الوقت، فخصص أحدهما مرآب المنزل للشركة الجديدة التي أسست برأس مال صغير، وابتكرا أول حاسوب لهما فلم يعد عالم الحواسيب كما كان من قبل، فهما اللذان أدخلا الواجهة الرسومية للحواسيب في وقت كانت الواجهة عبارة عن نصوص بيضاء على شاشة سوداء، وأدخلا جهاز الفأرة الصغير والذي لا نستغني عنها في استخدامنا للحاسوب، وانتشرت منتجات هذه الشركة الصغيرة بسرعة كبيرة، وكبرت هذه الشركة، ومنتجاتها دخلت في أسواقنا العربية ولا تخلو مؤسسة صحفية من حاسوب من صنع هذه الشركة وبرامج للنشر الصحفي يعتمد على حاسوب هذه الشركة.
هناك ثلاث عوامل مشتركة بين هذه الشركات، الأول أنه بدأت جميعها من المرآب! أو ما نسميه نحن في لهجتنا المحلية “كراج”، ويعني ذلك عدم دفع أية رسوم على تأجير شقة أو مقر للعمل قد يكلف الشركة الجديدة أموالاً طائلة وهي لا تملك من المال الشيء الكثير.
العامل الثاني يكمن في البدايات البسيطة، رأس المال الصغير ومقر العمل الأصغر! لو أردنا أن نطبق ذلك في بيئتنا المحلية لما استطعنا ذلك أبداً، فحتى تنشأ مؤسسة لا بد لك من أن تبدأ كبيراً أو على الأقل في حجم وسط! ولا يمكنك أبداً أن تبدأ صغيراً لأن القوانين لا تسمح بذلك، بينما في بيئتهم الفرصة متاحة لكل من يريد أن ينجح، وبالتالي من كان لديه طموح وإرادة وأفكار إبداعية سينجح بكل تأكيد.
العامل الثالث اعتماد هذه الشركات على الابتكار والتجديد وعدم التقليد، وهذا شيء مفقود في بيئة العمل لدينا، إذ أكثر الأعمال تكون تقليداً للآخرين ولا تحوي على ابتكار أو تجديد ونحن نستهلك التقنيات والأفكار أكثر مما ننتجها، وبالتالي سنظل متأخرين ما لم نشجع الابتكار والإنتاج ونشجع الجرأة والشجاعة في الابتكار ونشجع الفشل! نعم نشجع الفشل ولا تستغرب من ذلك، إذ نحن لا نربي أنفسنا على فضيلة الفشل، بل نعتبره عيباً، والفشل خير معلم، والإنسان يتعلم من الأخطاء أكثر مما يتعلم من الأشياء الصحيحة.
فهل نشاهد يوماً مؤسسة تقوم على هذه العوامل الثلاث؟ هذا يحتاج إلى تغيير القوانين والتشريعات الحالية المتعلقة بسوق العمل، وما لم تتغير فسنظل على حالنا نستهلك أكثر مما ننتج.
عبد الله المهيري