ياسر فاروق حسين
16 ديسمبر 2002
لا شك أن عالم الأولمبياد ذو مواصفات خاصة، يحمل من الإثارة والمتعة والتحدي الكثير. إنه عالم يجمع نوعان من البشر لا ثالث لهما، الناجحين والفاشلين، عالم من معادن رفع شعاراً للتحدي فحواه أنه “لن يهزمك إلا إذا اعتقدت أنه يستطيع ذلك”.
لا شك أيضاً أنك قد تتفق معي في أن عالم الإدارة والأعمال في هذا القرن يحمل نفس الإثارة والتحدي وربما نفس المتعة، إنه عالم ملئ بالتقلبات والتغيرات، تجعل من الشركات وكأنها في إحدى سباقات الماراثون، تحديات تتطلب من المديرين القيام بدور أكثر حساسية من ذي قبل في قيادة فرق العمل وتدريب العاملين وإشعال حماسهم وانتقاء الأفضل إن كل ذلك يتطلب إعادة التفكير في الأحداث بشكل مختلف بل شديد الاختلاف عن ذي قبل.
إن هذان العالمان يستحقان شيء من التدقيق والدراسة والتفاعل كل ذلك من أجل الكشف عن ملامح النجاح لذا أدعوكم إلى أن نستمع معاً إلى هذه الحوارات الخمس بين الأوليمبي والمدير لعلنا نكتشف بعض ملامح هذا النجاح في هذان العالمان.
الحوار الأول: فلتحتفظ بالشعلة دائمة الاشتعال :
الأوليمبي:- هل تعلم يا عزيزي المدير أن عالم الأولمبياد هو العالم التي تمثل فيه النار عنصراً أساسياً. شاهد بعينيك كيف نحافظ على اشتعال شعلة الأولمبياد طوال تلك الفترة إننا لا نستخدم أساليب متنوعة لإشعالها فقط بل نستخدم أساليب أكثر ابتكاراً وتنوعاً للحفاظ على اشتعالها خلال فترة الأولمبياد، ومازالت إنجازاتنا مبهرة لقد جمعنا في دورة سيدني 2000 بين متضادين هما الماء والنار، وهذا ما شاهدناه بأعيننا فقد اضيئت الشعلة الأوليمبية في وسط الماء وكان ضمن خط سيرها الذي استمر أربعة أشهر أن يحملها غطاسون تحت الماء ،وبذلك فقد نجحت سيدني فيما لم تنجح فيه أي مدينة من قبل وهي مزج الماء والنار والتي استخدمها سكان استراليا الأصليين لحرق الأرض حتى تنبت من جديد ثم المياه للإنبات والإزهار.
المــدير:- إن ما تقوله عن عالم الأولمبياد يتحقق بالفعل في عالم الإدارة والأعمال ليس كل أربع سنوات بل كل دقيقة يعيشها المدير مع مرؤوسيه ، فلابد له أن يفجر طاقات الآخرين، وتفجير تلك الطاقات لا يتم إلا بالحفاظ على التحفيز المستمر للعاملين –وهو ما تطلق أنت عليه المحافظة على الاشتعال –بما يتواءم مع الحاجات المدركة لدى العاملين، فضلاً عن تنويع هذه الحوافز بين الجماعية والفردية المادية والمعنوية بحيث تتناسب وطبيعة العاملين ، أيضاً ستجدك مضطراً إلى أن تمزج الماء بالنار عند قيادتك لفريق العمل فالناس يا عزيزي مختلفين….. ثم قطع حديثه وكأنه تذكر شيئاً هاماً وقال : إن عدم استمرار الشعلة مشتعلة في عالم يسوده التقلبات الاقتصادية الحادة قد يجعل أحد العاملين يفكرون في ترك العمل لديك أو إلى فقد بعض المهارات الأساسية للوظيفة.
لابد عليك أن تحترف وتنوع من طريقة الإشعال وكذلك المحافظة على استمرارية الإشعال لشعلة التميز داخل العاملين لديك أو معك إنها مهمتك أنت وحدك.
الحوار الثاني: اقتني دائماً مايوهاً تكنولوجياً جديداً :
الأوليمبي باسماً:- ولكننا نصارع الوقت وهذا ما يجعل الأولمبياد أكثر إثارة فىكل مرة لأننا نسابق الزمن.. نسابقه بأحدث الوسائل التكنولوجية.. هل تتذكر عزيزي المدير عندما حقق السباح الأمريكي طوني ويسموللر إنجازه الفذ بكسر حاجز الدقيقة في سباحة 100 متر حرة في دورة أمستردام عام 1928 وكان ذلك وقتها حدثاً تاريخياً ولكن اليوم انهارت الأرقام القياسية العالمية للسباحة تباعاً بسيدني حتى بلغت 9 أرقام عالمية في الأيام الثلاثة الأولى ، و قد يرجع ذلك كما يقول أحد المحللين إلى ملابس السباحة الجديدة التكنولوجية، والتي لم تلبس من أجل الأناقة والتقاليع الفارغة ولكن من أجل تقليل احتكاك الجسد بالمياه مما يزيد السرعة.
ثم قام بحركة مسرحية قائلاً: “يا سيدي إننا عالم تكنولوجي يتطور كل عام ويسابق الزمن من أجل أن تكون الأول دائماً”.
المـدير:- اتفق معك فيما تقول ولكننا نحيا نفس العصر إنه عصر المعرفة والتكنولوجيا.. يقول بيتر دراكر أحد شيوخ الإدارة “إن المدير في الفترة السابقة كان يعتمد على سلطته التنفيذية حيناً وسلطته الشخصية أحياناً أخرى إلا أن مدير هذا العصر هو مدير المعرفة ” بالفعل فنحن نحيا عصر المعلومات وقدا أثر ذلك على علم الإدارة والاقتصاد بإدخال مصطلحات حديثه مثل مفهوم الاقتصاد الرقمي Digital economy والذي يعتمد على شبكات المعرفة وكذلك التجارة الإلكترونية Electronic commerce والأسواق الذكية Intelligent market والتي يجرى فيها جزأ من التبادلات من خلال شبكات الحاسب والمعلومات. وهذا ما يجعل المدير دائماً يواكب التطور التكنولوجي ليكون مديراً تكنولوجياً.
الحوار الثالث: كن خماسياً أو عشارياً واحتفظ بإحدى قدميك على الأرض حتى الأمتار الأخيرة :
الأوليمبي:- عزيزي المدير.. إنك إذا تابعت مسابقات المارثون والجمباز ستعلم مدى ما نعانيه من أجل الفوز هل تعلم أننا كالذي يجري على حبل مشدود، يكتم أنفاسه، يتحكم في أعصابه كي يكمل السباق بنفس الكفاءة حتى النهاية وإليك بعض النماذج:-
– لقد انتهى سباق الـ 20 كم مشي بتتويج البولندي روبرت كورزينيوفسكي وذلك بعد إلغاء نتيجة المكسيكي برناردو سيجورا لمخالفة ارتكبها في الأمتار الأخيرة للسباق حيث تركت قدماه الأرض في وقت واحد … خطأ واحد أخرجه من المنافسة رغم أنه كان الأول حتى الأمتار الأخيرة.
– قال الكروج أحد العدائيين “بالتأكيد لم يكن السباق سهلاً ، لكن الأهم بالنسبة لي كان التأهل إلى قبل النهائي، فالظروف كانت صعبة للغاية خصوصاً المناخية ، بسبب البرد القارس علاوة على إقامة التصفيات صباحاً حيث لا يكون العداء في كامل لياقته البدنية”… الصمود رغم الصعوبة البيئية.
– فازت فتيات الجمباز الرومانيات بالثلاث المراكز الأولى بعد أن عرفن كيف يحتفظن ببرود أعصابهن حتى نهاية المطاف واستفدن من سقوط اللاعبات الروسيات والصينيات أيضاً ليحققن أول ذهبية أوليمبية. إن الاستفادة من أخطاء الآخرين والجمع بين الخبرة والقوة والمرونة يصنع المعجزات لسنوات.
المدير ضاحكاً بصوت مرتفع:- يا عزيزي إن التنافس المحموم بين الشركات في سوق الأعمال قد يقود أحد المنافسين إلى الجنون… ان الاستمرار فى عالم الأعمال يتطلب منك مجموعة من المهارات المتكاملة المتضادة فلابد أن تكون محدد الاتجاه ، الأسرع في اقتناص الفرص ، دقيق التصويب ، وفي نفس الوقت لديك كثير من التصميم والتحدي ومزيد من الصبر والديناميكية.
فالمدير لابد أن يكون مبدعاً ، صبوراً ، دقيقاً ، فائقاً للسرعة ، روتينياً فى بعض الأحيان ، يركز فيما يفعل وفيما يفعله الآخرون ، كل ذلك في نفس اللحظة حتى تتحقق الأهداف بأقصى فاعلية وكفاءة ممكنة لتكون مديرا عالمياً ….، ولأكون منصفاً فلقد تابعت تلك الألعاب المتكاملة -الخماسي الحديث والعشاري- والتى تتطلب من اللاعب أن يكون في سباقات الجري….. الاسرع.. وسباقات القفز.. الأعلى.. وسباقات أخرى الأكثر تحملاً وذلك هو نفسه ما أنصح به كل المديرين:
لابد أن تدرب نفسك ومرؤوسيك من الآن على مهارات الدقة والسرعة وضبط الإيقاع ، كل في وقت واحد.
الحوار الرابع: إنه صراع محموم قد يصل فيه الابتسام إلى الأذنين :
الأوليمبي متحمساً:- إن ما يحدث في الأولمبياد لا يحدث في عالم الأعمال، هل تابعت طابور الافتتاح حيث لم تمنع الحرب بين الكوريين في الفترة من 1950 – 1953 من السعي للمصالحة حيث مشى الوفدان الكوري الجنوبي ونظيره الشمالي سوياً في حفل الافتتاح بزي موحد وبسمة مرسومة على شفاه الجميع.
إن عالم الأولمبياد يتميز بالعلاقات المتداخلة فإنك قد تسابق وتتحدى الصديق اللدود والعدو الحميم، إنه عالم اللعب اللذيذ كل ذلك يا عزيزي من أجل الذهب… أكررها من أجل الذهب.
أشاح المــدير بيده معترضاً :- إني أختلف معك في هذه النقطة فإن هذا العالم الذي تطلق عليه عالم اللعب اللذيذ هو عالم رهيب ،إنه ليس لعب بالمعنى البسيط إنه لعباً في منتهى الجدية، و الاندماجات التي نتحدث عنها هي واقعاً ملموساً في عالم الأعمال، إن التكتلات الاقتصادية التي تحدث في كل بقعة من العالم تفرض واقعاً جديداً ،تهدف في طياتها إلى قصر الرفاهية على فئة دون الأخرى ،وقطع الأمل على الآخرين من مجرد اللحاق بهم ،فهل تعتقد أن كل المنضمين لهذه التكتلات كانت لهم علاقات وردية بالحقبة السابقة.. ثم ابتسم قائلاً : لا ….فقد تجدهم في الأمس القريب دولاً متحاربة ولذلك عليك أن تعلم قواعد اللعبة جيداً فهي لا تخرج عن كونها سعى نحو:
(1) التخصص الدقيق
وهي قاعدة لا تتنافى مع ما ذكرناه في – عليك أن تكون خماسياً أو عشارياً- ولكن تقصد هنا أن تتخصص لابد أن تصنع لك ميزة تنافسية داخل هذا التكتل أو ذاك .
(2) العقل المفتوح
وفيه إدراك لمعزى هذا التكتل الاقتصادي أو الثقافي وقنص أكثر المميزات، وتلاقي التهديدات، علاوة على القدرة على رفع الأقنعة لدى الآخرين تلك الأقنعة التي قد تصل فيها درجة الابتسام حتى تلامس الأذنين لكن ما خلفها… الله أعلم به.
الحوار الخامس: احجز أفضل مقعد في أفضل برنامج تدريبي لدى أفضل مركز تدريب :
الأوليمبي:- لكننا نُكسب التنافس طعماً جديداً لأننا نبدأ التنافس قبل وقت المنافسة الحقيقية وذلك بالتنافس بين الأقران الذي يخلق جواً من الدفيء إننا نعاملهم كفريق عمل متكامل متنافس، هل تعلم أن ذلك السباح “فان دن هو جينباند” الذي سجل الرقم القياسي العالمي ، أول سباح في العالم يكسر حاجز الـ 48 ثانية فقد سجل زمن قدره 47.84 ثانية في الدور قبل النهائي لتصفيات سباحة المائة متر حرة، إنه ويقول ” إني أدين بالفضل والعرفان في نجاحي هذا وما حققته من إنجازات إلى أولئك الذين أتدرب معهم يوميا ًفقد كان لهم دور بارز في هذا النجاح ثم كتم الأوليمبي ضحكه ثم استطرد قائلاً: و أكيد قرأت هذا الخبر الذى صرح فيه ملاكم بورسعيد قائلاً: كيف أفوز بالذهبية وأنا أتدرب في الشارع؟ ليس لدي أي خبرة حقيقية، والفارق بيني وبين المشتركين أنى العب في نادي ببورسعيد لا يهتم باللعبة وكثيراً ما كنت أتدرب وحدى في الشارع، هكذا يكون الفوز بالتدريب الجاد أما الذين يتدربون في ……………
المدير مقاطعاً :- لا.. أقولها لا… إننا في عالم الإدارة نحرص كل الحرص على أن ندرب مرؤوسينا على العمل معاً كفريق هل تعلم مقولة برناردشو “قل يفشل المرء في عمله ولكن لا تعتبره خائباً إلا إذا بدأ يلقي اللوم على غيره” هذه هي نظرتنا لفريق العمل، إننا بشركاتنا نعد فرق العمل الابتكارية والتنفيذية والتي تطور اداء شركاتنا بشكل واضح ، ثم انظر إلى ميزانيات التدريب إنها تفوق في بعض الشركات ما يصرف في بعض البلاد على قطاع التعليم بالكامل.
وأكمل منفعلاً: إننا ندعم التدريب في جو يشتعل بالمنافسة من أجل التميز إن لنا دائماً أفضل مقعد في أفضل برنامج في أفضل مركز تدريب.
وانتهى الحوار الخامس وأخذ كل منهما يلملم أوراقه في توتر وأخذا يبحثان عن باباً للخروج ، كل منهما يتذكر حوار الآخر، خرج كلاً منهما إلى عالمه لكنهما في الحقيقة خرجا إلى عالم واحد.
ياسر فاروق حسين